الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 | 01:44 م

عزام ل " مصر الآن" الجامعة القوية استثمار للسيادة المصرية


قال الكاتب الصحفي الكبير حسن عزام في تصريح لموقع " مصر الآن"أنه  وفي عالم يتسارع فيه التنافس على المعرفة والابتكار، تبرز الجامعات كحصون أساسية لبناء القوة الحقيقية للأمم. وعندما ننظر إلى مصر بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي وطموحاتها المستقبلية، ندرك أن الجامعة القوية ليست رفاهية أكاديمية أو بنداً ثقيلاً في الموازنة العامة، بل هي استثمار استراتيجي في صميم السيادة الوطنية وضمانة لمستقبل البلاد في عالم لا يرحم الضعفاء.
لطالما ارتبط مفهوم السيادة بالقوة العسكرية والحدود الجغرافية، لكن العصر الحديث أثبت أن السيادة الحقيقية تبنى على أساس المعرفة والقدرة على الابتكار والإنتاج. فالدول التي تمتلك جامعات قوية تمتلك القدرة على صناعة قراراتها بنفسها، دون الحاجة للاعتماد الكامل على الخارج في المجالات الحيوية. عندما تنتج مصر علماءها وباحثيها ومهندسيها ومفكريها، فإنها تؤسس لاستقلال فكري واقتصادي يحميها من التبعية ويمنحها القدرة على التفاوض من موقع القوة.
وأضاف عزام أن الجامعة القوية تنتج العقول القادرة على حل مشكلات مصر بأيد مصرية. فبدلاً من استيراد الحلول الجاهزة التي قد لا تناسب واقعنا المحلي، تصبح لدينا كوادر مؤهلة لتطوير تقنيات زراعية تتناسب مع طبيعة أرضنا، وحلول مائية تراعي ظروف نهر النيل، وأنظمة صحية تستوعب التحديات الديموغرافية المصرية. هذه القدرة على تطويع العلم لخدمة الظروف الوطنية هي جوهر السيادة التكنولوجية التي تحتاجها مصر.
وأشار أنه ومن الناحية الاقتصادية، الاستثمار في الجامعات يحقق عوائد مضاعفة على المدى المتوسط والبعيد. كل جنيه يُنفق على البحث العلمي والتطوير الأكاديمي يعود بعشرات الأضعاف من خلال الابتكارات والاختراعات والشركات الناشئة التي تنطلق من رحم الجامعات. 

ولفت إلى أن الدول المتقدمة لم تصل إلى ما هي عليه بالصدفة، بل من خلال استثمار متواصل في التعليم العالي على مدى عقود. كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، جميعها دول كانت تعاني من نقص الموارد الطبيعية لكنها استثمرت في العقل البشري فأصبحت قوى اقتصادية عالمية.
الجامعة القوية هي أيضاً درع ثقافي يحمي الهوية الوطنية في عصر العولمة. من خلال البحث في التاريخ والأدب والفنون المصرية، ومن خلال تطوير فكر نقدي مصري يستوعب التراث ويتفاعل مع الحاضر، تسهم الجامعات في بناء وعي وطني راسخ. الأمة التي لا تعرف تاريخها وثقافتها بعمق هي أمة معرضة للذوبان في ثقافات الآخرين. الجامعات المصرية يجب أن تكون مراكز لإنتاج المعرفة عن مصر، لا مجرد مستهلكة للمعرفة المنتجة في الخارج.
في المجال الأمني والاستراتيجي، الجامعات القوية تلعب دوراً محورياً في بناء قدرات الدفاع الوطني. من تطوير تكنولوجيا الدفاع إلى الأمن السيبراني، ومن أبحاث الطاقة النووية السلمية إلى علوم الفضاء، كل هذه المجالات تتطلب قاعدة علمية صلبة لا يمكن بناؤها إلا من خلال جامعات تمتلك المختبرات المتطورة والكوادر المؤهلة. الاعتماد على الخارج في هذه المجالات الحساسة يعني المساس بالسيادة الوطنية والتعرض للابتزاز السياسي.
الاستثمار في الجامعات يعني أيضاً تقليل هجرة العقول، تلك الظاهرة التي تنزف طاقات مصر سنوياً. عندما توفر الجامعات المصرية بيئة بحثية محفزة، ورواتب تليق بالباحثين، وإمكانيات تضاهي ما هو متاح في الخارج، سيفضل الكثيرون البقاء والمساهمة في بناء بلدهم. كل عالم يهاجر هو استثمار ضائع وفائدة منقولة لدول أخرى. الجامعة القوية هي حاضنة تحتفظ بالمواهب وتحولها إلى قوة دافعة للتنمية المحلية.
وقال أن النظرة قصيرة المدى التي ترى في ميزانية التعليم العالي عبئاً يجب تقليصه هي نظرة تفتقر للرؤية الاستراتيجية. الدول التي اختارت هذا الطريق وجدت نفسها بعد عقود في ذيل الأمم، تستورد كل شيء من الإبرة إلى التكنولوجيا المتقدمة، وتعيش على هامش الحضارة الإنسانية. بينما الدول التي استثمرت بكثافة في جامعاتها، حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية، هي التي تتصدر اليوم مؤشرات التنمية والابتكار.
مصر تمتلك ثروة بشرية هائلة، ملايين الشباب المتطلعين للمعرفة والراغبين في المساهمة في نهضة بلدهم. لكن هذه الطاقة الكامنة تحتاج إلى جامعات قادرة على صقلها وتوجيهها. الجامعة القوية ليست فقط مبانٍ حديثة، بل هي أساتذة متميزون يحصلون على تقدير مادي ومعنوي، ومناهج محدثة تواكب العصر، ومختبرات مجهزة، ومكتبات غنية، وبيئة أكاديمية تشجع على النقد والإبداع والابتكار.
وأوضح الكاتب الصحفي أن التحدي الحقيقي يكمن في تغيير النظرة تجاه التعليم العالي من كونه خدمة اجتماعية إلى كونه مشروعاً استثمارياً بامتياز. هذا لا يعني خصخصة التعليم أو جعله حكراً على الأغنياء، بل يعني تخصيص الموارد الكافية لبناء منظومة تعليمية قادرة على المنافسة عالمياً. الدول الناجحة تنفق ما بين ثلاثة إلى خمسة في المائة من ناتجها القومي على التعليم العالي والبحث العلمي، لأنها تدرك أن هذا الإنفاق سيعود عليها بأضعاف مضاعفة.
في عالم تتصارع فيه الأمم على الموارد والأسواق والنفوذ، تبقى المعرفة هي السلاح الأقوى والأكثر استدامة. مصر التي علّمت العالم الحضارة قديماً قادرة على استعادة مكانتها، لكن ذلك يتطلب إيماناً حقيقياً بأن الجامعة القوية هي حجر الزاوية في بناء السيادة الوطنية. الاستثمار في العقول هو استثمار في المستقبل، وكل تأخير في هذا المسار هو تأجيل للنهضة المنشودة. مصر لا تحتاج إلى جامعات تمنح شهادات فقط، بل إلى جامعات تصنع المستقبل وتحمي السيادة وتبني الحضارة.

استطلاع راى

هل تؤيد تقنين حضور المصورين للجنازات؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5780 جنيهًا
سعر الدولار 47.59 جنيهًا
سعر الريال 12.69 جنيهًا
Slider Image